كتب حميد دباشي أن متابعة الأخبار يومياً تجعل الإنسان يغرق في يأس عميق، بينما تدخل حرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين عامها الثاني في غزة والضفة الغربية. السؤال لم يعد كيف يمكن لإنسان عاقل أن يصف نفسه بـ"إسرائيلي" أو "صهيوني"، بل كيف يمكن للبشرية كلها أن تعيش مع نفسها وهي ترى هذا القتل الجماعي الوحشي يواصل حصد الأرواح بلا رحمة.
ذكر الكاتب في مقال نشره موقع ميدل إيست آي أن الأعداد مذهلة، عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، وجرائم حرب تتضمن تجويعاً جماعياً واحتلالاً شاملاً واغتيالات واستهدافاً متعمداً للأطفال والصحفيين والأطباء. هذه ليست مجرد تشبيهات أو استعارات؛ فإسرائيل كيان استيطاني قائم على الإبادة، يمارس جرائم مروعة بدعم غربي مباشر، بينما يقف العالم عاجزاً عن إرسال قارب صغير يحمل المساعدات إلى المحاصرين.
يرى الكاتب أن الاستعارات النازية لا تكفي، فالصهيونية شر قائم بذاته، لا يقل وحشية عن النازية أو غيرها من أشكال الفظائع التاريخية. لكن مع تكرار الصور اليومية لمجازر غزة، يطرح السؤال: كيف لا ينهار الإنسان تحت وطأة اليأس من مواجهة الأكاذيب والدعاية التي تبرر هذه الجرائم؟
ينتقد دباشي صحيفة نيويورك تايمز التي تتصدر واجهة التبرير الأخلاقي للقتل الجماعي عبر كتاب مثل بريت ستيفنز وتوماس فريدمان، حيث يحولون المجازر إلى خطاب مموّه يخاطب جمهوراً إمبريالياً وصهيونياً. حتى عندما أظهرت بيانات عسكرية إسرائيلية مسرّبة أن 83% من قتلى غزة مدنيون، استمر كتّاب الصحيفة في إنكار حقيقة الإبادة، بل طالب بعضهم بعدد أكبر من الجثث ليعترفوا بها كإبادة. هذا الإنكار لا يمحو الجريمة بل يضاعفها.
يشير المقال أيضاً إلى أصوات أخرى مثل سام هاريس، الذي يبرر الحرب ويشجع على قصف إيران، ويصور الفلسطينيين كجناة لمجرد أنهم مسلمون يقاومون الاحتلال. هذه الدعاية لا تقل خطورة عن القصف نفسه، لأنها تهيئ الأرضية لتبرير الإبادة وتحويلها إلى "ضرورة" في وعي الجمهور الغربي.
وسط هذه الفظائع، يصف دباشي حالة الإنهاك الأخلاقي التي يعيشها الناس حول العالم: الغضب، الصراخ، الانكسار، والشعور بالعجز أمام القتل الممنهج. لكن بدلاً من الاستسلام، يدعو الكاتب إلى تحويل هذا اليأس إلى طاقة مقاومة، مؤكداً أن العالم يقف اليوم على حافة تحوّل أخلاقي جديد، تتجاوزه الحدود الدينية التقليدية، ويصبح فيه كل إنسان حراً شاهداً ومشاركاً في معركة الفلسطينيين من أجل البقاء.
يهاجم الكاتب صمت الأنظمة العربية وتواطؤها، ويعتبره خيانة للقيم الدينية والإنسانية على حد سواء. لكن من هذا الخذلان تنبع ضرورة بناء خطاب أخلاقي عالمي جديد، ينطلق من تضحيات الفلسطينيين ويستند إلى قضيتهم العادلة. لذلك، فإن فضح إنكار الإبادة ومواجهة المدافعين عنها هو ما يمنحه القوة كل صباح ليواصل النضال.
يختم دباشي بالتأكيد أن هذه ليست لحظة لإلقاء المواعظ، بل لحظة لتحويل الغضب إلى فعل. في مواجهة هذه الوحشية، لم نعد مسلمين أو مسيحيين أو يهوداً أو غير ذلك، بل أصبحنا جميعاً فلسطينيين. النضال من أجل فلسطين هو الطريق الوحيد لإنقاذ إنسانيتنا الهشة، وإبقاء ضمير العالم حيّاً أمام واحدة من أفظع جرائم القرن.
https://www.middleeasteye.net/opinion/how-not-despair-israels-genocide-rages